كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



القراءة المشهورة فتح الهمزة على العطف على ما، يعني أن هذا أيضًا في الصحف وهو الحق، وقرئ بالكسر على الاستئناف، وفيه مسائل:
الأولى: ما المراد من الآية؟ قلنا فيه وجهان: أحدهما: وهو المشهور بيان المعاد أي للناس بين يدي الله وقوف، وعلى هذا فهو يتصل بما تقدم لأنه تعالى لما قال: {ثُمَّ يُجْزَاهُ} كأن قائلًا قال لا ترى الجزاء، ومتى يكون، فقال: إن المرجع إلى الله، وعند ذلك يجازى الشكور ويجزي الكفور وثانيهما: المراد التوحيد، وقد فسر الحكماء أكثر الآيات التي فيها الانتهاء والرجوع بما سنذكره غير أن في بعضها تفسيرهم غير ظاهر، وفي هذا الموضع ظاهر، فنقول: هو بيان وجود الله تعالى ووحدانيته، وذلك لأنك إذا نظرت إلى الموجودات الممكنة لا تجد لها بدًا من موجد، ثم إن موجدها ربما يظن أنه ممكن آخر كالحرارة التي تكون على وجه يظن أنها من إشراق الشمس أو من النار فيقال الشمس والنار ممكنتان فمم وجودهما؟ فإن استندتا إلى ممكن آخر لم يجد العقل بدًا من الانتهاء إلى غير ممكن فهو واجب الوجود فإليه ينتهي الأمر فالرب هو المنتهى، وهذا في هذا الموضع ظاهر معقول موافق للمنقول، فإن المروي عن أبي بن كعب أنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وأن إلى ربك المنتهى، لا فكرة في الرب» أي انتهى الأمر إلى واجب الوجود، وهو الذي لا يكون وجوده بموجد ومنه كل وجود، وقال أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا ذكر الرب فانتهوا» وهو محتمل لما ذكرنا، وأما بعض الناس فيبالغ ويفسر كل آية فيها الرجعى والمنتهى وغيرهما بهذا التفسير حتى قيل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب} [فاطر: 10] بهذا المعنى وهذا دليل الوجود، وأما دليل الوحدانية فمن حيث إن العقل انتهى إلى واجب الوجود من حيث إنه واجب الوجود، لأنه لو لم يكن واجب الوجود لما كان منتهى بل يكون له موجد، فالمنتهى هو الواجب من حيث إنه واجب، وهذا المعنى واحد في الحقيقة والعقل، لأنه لابد من الانتهاء إلى هذا الواجب أو إلى ذلك الواجب فلا يثبت الواجب معنى غير أنه واجب فيبعد إذًا وجوبه، فلو كان واجبان في الوجود لكان كل واحد قبل المنتهى لأن المجموع قبله الواجب فهو المنتهى وهذان دليلان ذكرتهما على وجه الاختصار.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {إلى رَبّكَ المنتهى} في المخاطب وجهان: أحدهما: أنه عام تقديره إلى ربك أيها السامع أو العاقل ثانيهما: الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه بيان صحة دينه فإن كل أحد كان يدعى ربًا وإلهًا، لكنه صلى الله عليه وسلم لما قال:
«ربي الذي هو أحد وصمد» يحتاج إليه كل ممكن فإذًا ربك هو المنتهى، وهو رب الأرباب ومسبب الأسباب، وعلى هذا القول الكاف أحسن موقعًا، أما على قولنا: إن الخطاب عام فهو تهديد بليغ للمسيء وحث شديد للمحسن، لأن قوله: أيها السامع كائنًا من كان إلى ربك المنتهى يفيد الأمرين إفادة بالغة حد الكمال، وأما على قولنا: الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم فهو تسلية لقلبه كأنه يقول: لا تحزن فإن المنتهى إلى الله فيكون كقوله تعالى: {فَلاَ يَحْزُنكَ قولهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [ياس: 76] إلى أن قال تعالى في آخر السورة: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [ياس: 83] وأمثاله كثيرة في القرآن.
المسألة الثالثة:
اللام على الوجه الأول للعهد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: أبدًا إن مرجعكم إلى الله فقال: {وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} الموعود المذكور في القرآن وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الوجه الثاني للعموم أي إلى الرب كل منتهى وهو مبدأ، وعلى هذا الوجه نقول: منتهى الإدراكات المدركات، فإن الإنسان أولًا يدرك الأشياء الظاهرة ثم يمعن النظر فينتهي إلى الله فيقف عنده.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)}.
وفيه مسائل:
الأولى: على قولنا: إليه المنتهى المراد منه إثبات الوحدانية، هذه الآيات مثبتات لمسائل يتوقف عليها الإسلام من جملتها قدرة الله تعالى، فإن من الفلاسفة من يعترف بأن الله المنتهى وأنه واحد لكن يقول: هو موجب لا قادر، فقال تعالى: هو أوجد ضدين الضحك والبكاء في محل واحد والموت والحياة والذكورة والأنوثة في مادة واحدة، وإن ذلك لا يكون إلا من قادر واعترف به كل عاقل، وعلى قولنا: إن قوله تعالى: {وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} [النجم: 42] بيان المعاد فهو إشارة إلى بيان أمره فهو كما يكون في بعضها ضاحكًا فرحًا وفي بعضها باكيًا محزونًا كذلك يفعل به في الآخرة.
المسألة الثانية:
{أَضْحَكَ وأبكى} لا مفعول لهما في هذا الموضع لأنهما مسوقتان لقدرة الله لا لبيان المقدور، فلا حاجة إلى المفعول.
يقول القائل: فلأن بيده الأخذ والعطاء يعطي ويمنع ولا يريد ممنوعًا ومعطى.
المسألة الثالثة:
اختار هذين الوصفين للذكر والأنثى لأنهما أمران لا يعللان فلا يقدر أحد من الطبيعيين أن يبدي في اختصاص الإنسان بالضحك والبكاء وجهًا وسببًا، وإذا لم يعلل بأمر ولا بد له من موجد فهو الله تعالى، بخلاف الصحة والسقم فإنهم يقولون: سببهما اختلال المزاج وخروجه عن الاعتدال، ويدلك على هذا أنهم إذا ذكروا في الضحك أمرًا له الضحك قالوا: قوة التعجب وهو في غاية البطلان لأن الإنسان ربما يبهت عند رؤية الأمور العجيبة ولا يضحك، وقيل: قوة الفرح، وليس كذلك لأن الإنسان يفرح كثيرًا ولا يضحك، والحزين الذي عند غاية الحزن يضحكه المضحك، وكذلك الأمر في البكاء، وإن قيل لأكثرهم علمًا بالأمور التي يدعيها الطبيعيون إن خروج الدمع من العين عند أمور مخصوصة لماذا؟ لا يقدر على تعليل صحيح، وعند الخواص كالتي في المغناطيس وغيرها ينقطع الطبيعي، كما أن عند أوضاع الكواكب ينقطع هو والمهندس الذي لا يفوض أمره إلى قدرة الله تعالى وإرادته.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)}.
والبحث فيه كما في الضحك والبكاء، غير أن الله تعالى في الأول بين خاصة النوع الذي هو أخص من الجنس، فإنه أظهر وعن التعليل أبعد ثم عطف عليه ما هو أعم منه ودونه في البعد عن التعليل وهي الإماتة والإحياء وهما صفتان متضادتان أي الموت والحياة كالضحك والبكاء والموت على هذا ليس بمجرد العدم وإلا لكان الممتنع ميتًا، وكيفما كان فالإماتة والإحياء أمر وجودي وهما من خواص الحيوان، ويقول الطبيعي في الحياة لاعتدال المزاج، والمزاج من أركان متضادة هي النار والهواء والماء والتراب وهي متداعية إلى الانفكاك ومالا تركيب فيه من المتضادات لا موت له، لأن المتضادات كل أحد يطلب مفارقة مجاوره، فقال تعالى: الذي خلق ومزج العناصر وحفظها مدة قادر على أن يحفظها أكثر من ذلك فإذا مات فليس عن ضرورة فهو بفعل فاعل مختار وهو الله تعالى: فهو الذي أمات وأحيا.
فإن قيل: متى أمات وأحيا حتى يعلم ذلك بل مشاهدة الإحياء والإماتة بناء على الحياة والموت؟ نقول: فيه وجوه أحدها: أنه على التقديم والتأخير كأنه قال: أحيا وأمات ثانيها: هو بمعنى المستقبل، فإن الأمر قريب يقال: فلان وصل والليل دخل إذا قرب مكانه وزمانه، فكذلك الإحياء والإماتة ثالثها: أمات أي خلق الموت والجمود في العناصر، ثم ركبها وأحيا أي خلق الحس والحركة فيها.
{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45)}.
وهو أيضًا من جملة المتضادات التي تتوارد على النطفة فبعضها يخلق ذكرًا، وبعضها أنثى ولا يصل إليه فهم الطبيعي الذي يقول: إنه من البرد والرطوبة في الأنثى، فرب امرأة أيبس مزاجًا من الرجل، وكيف وإذا نظرت في المميزات بين الصغير والكبير تجدها أمورًا عجيبة منها نبات اللحية، وأقوى ما قالوا في نبات اللحية أنهم قالوا: الشعور مكونة من بخار دخاني ينحدر إلى المسام، فإذا كانت المسام في غاية الرطوبة والتحلل كما في مزاج الصبي والمرأة، لا ينبت الشعر لخروج تلك الأدخنة من المسام الرطبة بسهولة قبل أن يتكون شعرًا، وإذا كانت في غاية اليبوسة والتكاثف ينبت الشعر لعسر خروجه من المخرج الضيق، ثم إن تلك المواد تنجذب إلى مواضع مخصوصة فتندفع، إما إلى الرأس فتندفع إليه لأنه مخلوق كقبة فوق الأبخرة والأدخنة فتتصاعد إليه تلك المواد، فلهذا يكون شعر الرأس أكثر وأطول، ولهذا في الرجل مواضع تنجذب إليها الأبخرة والأدخنة، منها الصدر لحرارة القلب والحرارة تجذب الرطوبة كالسراج للزيت، ومنها بقرب آلة التناسل لأن حرارة الشهوة تجذب أيضًا، ومنها اللحيان فإنها كثيرة الحركة بسبب الأكل، والكلام والحركة أيضًا جاذبة، فإذا قيل لهم: فما السبب الموجب لتلازم نبات شعر اللحية وآلة التناسل فإنها إذا قطعت لم تنبت اللحية؟ وما الفرق بين سن الصبا وسن الشباب وبين المرأة والرجل؟ ففي بعضها يبهت وفي بعضها يتكلم بأمور واهية، ولو فوضها إلى حكمة إلهية لكان أولى، وفي مسألتان:
الأول: قال تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ} ولم يقل: وأنه هو خلق كما قال: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى} [النجم: 43] وذلك لأن الضحك والبكاء ربما يتوهم متوهم أنه بفعل الإنسان، وفي الإماتة والإحياء وإن كان ذلك التوهم بعيدًا، لكن ربما يقول به جاهل، كما قال من حاج إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال: {أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ} [البقرة: 258] فأكد ذلك بذكر الفصل، وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة فلا يتوهم أحد أن يفعل أحد من الناس فلم يؤكد بالفصل ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى} [النجم: 48] حيث كان الإغناء عندهم غير مستند إلى الله تعالى وكان في معتقدهم أن ذلك بفعلهم كما قال قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عِندِى} [القصص: 78] ولذلك قال: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى} [النجم: 49] لأنهم كانوا يستبعدون أن يكون رب محمد هو رب الشعرى فأكد في مواضع استبعادهم النسبة إلى الله تعالى الإسناد ولم يؤكده في غيره.
المسألة الثانية:
الذكر والأنثى اسمان هما صفة أو اسمان ليسا بصفة؟ المشهور عند أهل اللغة الثاني والظاهر أنهما من الأسماء التي هي صفات، فالذكر كالحسن والعزب والأنثى كالحبلى والكبرى وإنما قلنا: إنها كالحبلى في رأي لأنها حيالها أنشئت لا كالكبرى، وإن قلنا: إنها كالكبرى في رأي، وإنما قلنا: إن الظاهر أنهما صفتان، لأن الصفة ما يطلق على شيء ثبت له أمر كالعالم يطلق على شيء له علم والمتحرك يقال لشيء له حركة بخلاف الشجر والحجر، فإن الشجر لا يقال لشيء بشرط أن يثبت له أمر بل هو اسم موضوع لشيء معين، والذكر اسم يقال لشيء له أمر، ولهذا يوصف به، ولا يوصف بالشجر، يقال جاءني شخص ذكر، أو إنسان ذكر، ولا يقال جسم شجر، والذي ذهب إلى أنه اسم غير صفة إنما ذهب إليه، لأنه لم يرد له فعل، والصفة في الغالب له فعل كالعالم والجاهل والعزب والكبرى والحبلى، وذلك لا يدل على ما ذهب إليه، لأن الذكورة والأنوثة من الصفات التي لا يتبدل بعضها ببعض، فلا يصاغ لها أفعال لأن الفعل لما يتوقع له تجدد في صورة الغالب، ولهذا لم يوجد للإضافيات أفعال كالأبوة والبنوة والأخوة إذ لم تكن من الذي يتبدل، ووجد للإضافيات المتبدلة أفعال يقال: واخاه وتبناه لما لم يكن مثبتًا بتكلف فقبل التبدل.
{مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)}.
وقوله تعالى: {مِن نُّطْفَةٍ} أي قطعة من الماء.
وقوله تعالى: {إِذَا تمنى} من أمنى المني إذا نزل أو منى يمني إذا قدر وقوله تعالى: {مِن نُّطْفَةٍ} تنبيه على كمال القدرة لأن النطفة جسم متناسب الأجزاء، ويخلق الله تعالى منه أعضاء مختلفة وطباعًا متباينة وخلق الذكر والأنثى منها أعجب ما يكون على ما بينا، ولهذا لم يقدر أحد على أن يدعيه كما لم يقدر أحد على أن يدعي خلق السموات، ولهذا قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقولنَّ الله} [الزخرف: 87] كما قال: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقولنَّ الله} [الزمر: 38].
{وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)}.
وهي في قول أكثر المفسرين إشارة إلى الحشر، والذي ظهر لي بعد طول التفكر والسؤال من فضل الله تعالى الهداية فيه إلى الحق، أنه يحتمل أن يكون المراد نفخ الروح الإنسانية فيه، وذلك لأن النفس الشريفة لا الأمارة تخالط الأجسام الكثيفة المظلمة، وبها كرم الله بني آدم، وإليه الإشارة في قوله: {فَكَسَوْنَا العظام لَحْمًا ثُمَّ أنشأناه خَلْقًا ءاخَرَ} [المؤمنون: 14] غير خلق النطفة علقة، والعلقة مضغة، والمضغة عظامًا، وبهذا الخلق الآخر تميز الإنسان عن أنواع الحيوانات، وشارك الملك في الإدراكات فكما قال هنالك: {أنشأناهُ خلقًا آخر} بعد خلق النطفة قال ههنا: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى} فجعل نفخ الروح نشأة أخرى كما جعله هنالك إنشاء آخر، والذي أوجب القول بهذا هو أن قوله تعالى: {وَأَنَّ إلى رَبّكَ المنتهى} [النجم: 42] عند الأكثرين لبيان الإعادة، وقوله تعالى: {ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزاء الأوفى} [النجم: 41] كذلك فيكون ذكر النشأة الأخرى إعادة، ولأنه تعالى قال بعد هذا: {وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى} [النجم: 48] وهذا من أحوال الدنيا، وعلى ما ذكرنا يكون الترتيب في غاية الحسن فإنه تعالى يقول: خلق الذكر والأنثى ونفخ فيهما الروح الإنسانية الشريفة ثم أغناه بلبن الأم وبنفقة الأب في صغره، ثم أقناه بالكسب بعد كبره، فإن قيل: فقد وردت النشأة الأخرى للحشر في قوله تعالى: {فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق ثُمَّ الله يُنشِىء النشأة الآخرة} [العنكبوت: 20] نقول الآخرة من الآخر لا من الآخر لأن الآخر أفعل، وقد تقدم على أن هناك لما ذكر البدء حمل على الإعادة وههنا ذكر خلقه من نطفة، كما في قوله: {ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً} ثم قال: {أنشأناهُ خلقًا آخر} [المؤمنون: 14] وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
{على} للوجوب، ولا يجب على الله الإعادة، فما معنى قوله تعالى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ} قال الزمخشري على ما هو مذهبه عليه عقلًا، فإن من الحكمة الجزاء، وذلك لا يتم إلا بالحشر، فيجب عليه عقلًا الإعادة، ونحن لا نقول بهذا القول، ونقول فيه وجهان الأول: عليه بحكم الوعد فإنه تعالى قال: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيي الموتى} [ياس: 12] فعليه بحكم الوعد لا بالعقل ولا بالشرع الثاني: عليه للتعيين فإن من حضر بين جمع وحاولوا أمرًا وعجزوا عنه، يقال: وجب عليك إذن أن تفعله أي تعينت له.
المسألة الثانية:
قرئ: {النشأة} على أنه مصدر كالضربة على وزن فعلة وهي للمرة، تقول: ضربته ضربتين، أي مرة بعد مرة، يعني النشأة مرة أخرى عليه، وقرئ {النشأة} بالمد على أنه مصدر على وزن فعالة كالكفالة، وكيفما قرئ فهي من نشأ، وهو لازم وكان الواجب أن يقال: عليه الإنشاء لا النشأة، نقول فيه فائدة وهي أن الجزم يحصل من هذا بوجود الخلق مرة أخرى، ولو قال: عليه الإنشاء ربما يقول قائل: الإنشاء من باب الإجلاس، حيث يقال في السعة أجلسته فما جلس، وأقمته فما قام فيقال: أنشاء وما نشأ أي قصده لينشأ ولم يوجد، فإذا قال: عليه النشأة أي يوجد النشء ويحققه بحيث يوجد جزمًا.
المسألة الثالثة:
هل بين قول القائل: عليه النشأة مرة أخرى، وبين قوله: عليه النشأة الأخرى فرق؟ نقول: نعم إذا قال: عليه النشأة مرة أخرى لا يكون النشء قد علم أولًا، وإذا قال: {عَلَيْهِ النشأة الأخرى} يكون قد علم حقيقة النشأة الأخرى، فنقول ذلك المعلوم عليه.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)}.